تحميل القرآن الكريم كاملا بصيغة pdf

تحميل المصحف الكامل مكتوب 

تحميل صحيح البخاري كاملا

تحميل الكتاب الالكتروني صحيح البخاري 

تحميل صحيح البخاري كاملا بصيغة pdf

تحميل صحيح مسلم  بصيغة pdf

صوت القرآن كاملا بصوت الشيخ عبد الرحمن السديس

القران الكريم كامل بصوت الشيخ عبدالرحمن السديس

تحميل القرآن الكريم كاملا بصوت الشيخ عبد الرحمن السديس




تحميل القرآن الكريم بصوت الشيخ عبد الرحمن السديس حسب الصور

تلاوة المصحف الكامل بصوت الشيخ ماهر المعيقلي

تلاوة كاملة للمصحف الشريف بصوت القاريء ماهر المعيقلي 
تلاوة القران الكريم بصوت ماهر المعيقلي 


تحميل المصحف الكامل بصوت الشيخ ماهر المعيقلي 
تحميــل

تحميل المصحف بصوت القاريء ماهر المعيقلي سورة سورة بصيغة mp3 :

من هنا
أو من هنا

في حلق المرأة لشعر وجهها وساقيها

السؤال:
إذا نبتت للمرأة لحيةٌ أو شاربٌ أو عَنْفَقَةٌ على وجهها أو شعرٌ على ساقيها فهل يجوز حَلْقُه؟ وهل يُعَدُّ تحليقُه مِن تغيير خَلْق الله المنهيِّ عنه؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فلا أعلم خلافًا بين أهل العلم في أنَّ مِن مستثنيات تغيير خَلْق الله تعالى ما ورد في جوازه نصٌّ شرعيٌّ كأحاديث سنن الفطرة، وما يحصل به الضررُ والأذيَّة كمن له سنٌّ زائدةٌ أو طويلةٌ تعيقها في الأكل، أو إصبعٌ زائدةٌ تؤذيها وتؤلمها(١)؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»(٢)، أي: أنَّ الضرر يزال، ويستوي في ذلك الرجلُ والمرأة.
أمَّا إذا انتفى الضررُ والأذى فإنَّ المسألةَ محلُّ خلافٍ بين أهل العلم: فعمدةُ ابن جريرٍ الطبريِّ(٣) -رحمه الله- أنَّ الأصل في الإنسان أنه خَلَقه في أحسن تقويمٍ وعلى أكمل خِلْقةٍ، فلا يجوز تغييرُ شيءٍ منها لا بزيادةٍ أو نقصٍ الْتِماسَ الحسن للزوج ولا لغيره، إذ لا يخرج حكمُ حَلْقِ المرأةِ شعرَها النابتَ على وجهها وبدنِها عمَّا نهى الشرعُ عنه مِن الوشم والنمص والفَلْج، فإنَّ علَّةً ظاهرةً تجمعها وهي أنها تغييرٌ للخِلقة وتغريرٌ للخُطَّاب، وقد روى مسلمٌ مِن حديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ» الحديث(٤).
أمَّا المالكية فقد صرَّحوا بوجوب حَلْقِ المرأة ما نَبَت لها من لحيةٍ أو شاربٍ وشَعْر جسدها(٥)، وعن الشافعية استحبابُ ذلك(٦)، وظاهر مذهب أحمدَ جوازُه بالحلق لا بالنتف(٧)، وقيَّده ابن حجرٍ بإذن الزوج وعِلْمه(٨).
وقد علَّل المجيزون لحلق المرأة شَعْرَ وجهها وبدنِها بأنَّ تَرْكَه مُثْلةٌ في حقِّها، ولأنَّ فيه تشبُّهَ النساء بالرجال، والمُثلةُ والتشبُّه كلاهما حرامٌ، فإزالة المُثلة ومظهرِ التشبُّه أمرٌ مطلوبٌ شرعًا، ولا يكون مِن قبيل التغيير لخلق الله المنهيِّ عنه، بل هو مرخَّصٌ فيه قَصْدَ إرجاع المرأة لأصل خِلقتها وهي الأنوثةُ خاليةً من لحيةٍ وشاربٍ وعَنْفَقةٍ وغيرها، ولا يقاس ذلك على ما ورد في الحديث النهيُ عنه، لأنَّ الوشم والنمص والتفليج تجاوزٌ لِما خَلَق الله عليه جنسَ النساء وتغييرٌ للخِلقة السويَّة، بخلاف حَلْق اللحية والشارب ونحوهما، فليس فيه تكلُّفٌ أو تغييرٌ للخِلقة، وإنما هو بمثابةِ ضررٍ تزيله أو مرضٍ تعالجه، وأيَّدوا ذلك بما أخرجه الطبريُّ من طريق أبي إسحاق عَنِ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ وَكَانَتْ شَابَّةً يُعْجِبُهَا الجَمَالُ فَقَالَتْ: «الْمَرْأَةُ تَحُفُّ جَبِينَهَا لِزَوْجِهَا؟» فَقَالَتْ: «أَمِيطِي عَنْكِ الأَذَى مَا اسْتَطَعْتِ»(٩).
هذا، وعندي أنه يجوز حَلْقُ ما نَبَت للمرأة مِن شعرِ لحيةٍ أو شاربٍ أو عَنْفَقَةٍ ونحوها إذا لَحِقَها ضررٌ معنويٌّ -أيضًا- من جرَّاء استبقائها لشعر وجهها وبدنِها، فالضرر المعنويُّ من حيث درجته كالضرر الحسِّيِّ أو أقوى منه، وكلاهما مشمولٌ بحديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما مرفوعًا: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»(١٠).
والضرر المعنويُّ الحاصل مِن شعر الوجه خاصَّةً مستمرٌّ في الغالب الأعمِّ لظهوره بخلاف شعر بدنها، فإذا ما انتفى عنها فيه الضرر الحسِّيُّ والمعنويُّ فالأصلُ عدمُ جوازِ نتفِه لدخوله في عموم النهي عن النمص كما تقدَّم في الحديث، ذلك لأنَّ النمص في اللغة نتفُ الشعر(١١)، فهو لا يختصُّ بالحاجب والوجه، بل هو شاملٌ -بإطلاق الحديث- لأيِّ موضعٍ في الجسد، ومذكورُ خصوصِ الحاجب عند بعض الشُّرَّاح ليس قيدًا، وإنما هو محمولٌ على الغالب مِثْلَ الوشم فلا يختصُّ بالوجه فهو عامٌّ لسائر البدن، وأمَّا حديث الطبريِّ عن امرأة أبي إسحاق عن عائشة رضي الله عنها فقَدْ ضعَّفه الألبانيُّ -رحمه الله-، فلو صحَّ فإنه يُحْمَل على الأذى الذي يحصل به الضرر الحسِّيُّ أو المعنويُّ، وإزالتُه إنما تكون بالحفِّ بالموسى لا بالنتف، والحلقُ غيرُ النتف، والنتفُ تغييرٌ كما جاء عن الإمام أحمد(١٢)، وإلَّا فالأثرُ معارَضٌ بالمرفوع وهو مقدَّمٌ عليه، أمَّا التعليلات المتقدِّمة والحكمُ بصحَّتها فإنما يصدق على المُثلة والتشبُّهِ بإرادة العبد واختياره، وفي مسألتنا هذه تنتفي صورةُ الاختيار.
هذا، وإن تقرَّر جوازُ حَلْقِ المرأةِ ما نَبَت لها من شعرٍ على وجهها وبدنِها لدفعِ الضرر والأذى عنها كما تقدَّم؛ إلَّا أنَّ إخبار الخاطب بأمر الحلق واجبٌ إذا كان لا يعلم منعًا للتدليس والتغرير، أمَّا إذا كانت تحت عصمةِ زوجٍ فلا يجوز لها إزالةُ شعرها إلَّا بإذنه وعِلْمه.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٢ ربيع الثاني ١٤٢٧ﻫ
الموافـق ﻟ: ٢١ مــاي ٢٠٠٦م

(١) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (١٠/ ٣٧٧).
(٢) أخرجه ابن ماجه في «الأحكام» باب من بنى في حقِّه ما يضرُّ بجاره (٢٣٤١) من حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٢٥٠).
(٣) انظر: «المجموع» للنووي (١/ ٢٩٠)، «فتح الباري» لابن حجر (١٠/ ٣٧٧).
(٤) أخرجه البخاري في «اللباس» (٥٩٣١)، ومسلم في «اللباس والزينة» (٢١٢٥)، من حديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه.
(٥) انظر: «مواهب الجليل» للحطاب (١/ ٣١٤)، حاشية العدوي (٢/ ٤٠٩)، «الفواكه الدواني» للنفراوي (٢/ ٤٠١).
(٦) انظر: «المجموع» (١/ ٢٩٠) و«شرح مسلم» (١٤/ ١٠٦) كلاهما للنووي، «فتح الباري» لابن حجر (١٠/ ٣٧٨).
(٧) انظر: «المغني» لابن قدامة (١/ ٩١، ٩٤)، «الإنصاف» للمرداوي (١/ ١٢٦).
(٨) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (١٠/ ٣٧٨).
(٩) أخرجه ابن الجعد في «مسنده» (٤٥١)، وعزاه ابن حجرٍ للطبري في «فتح الباري» (١٠/ ٣٧٨)، وضعَّفه الألباني في «غاية المرام» رقم: (٩٦).
(١٠) سبق تخريجه.
(١١) انظر: «الفائق» للزمخشري (٤/ ٢٦)، «القاموس المحيط» للفيروزآبادي (٨١٧).
(١٢) انظر: «أحكام النساء» للإمام أحمد (١٥)، «المغني» لابن قدامة (١/ ٩٤).

من موقع الشيخ محمد علي فركوس :

حقُّ الله الخالص والحذرُ مِنْ خلطِ حقِّه بما للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ حقٍّ

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فينبغي الحذرُ والتحرُّزُ مِنَ الاشتباهِ الذي قد يحصل ما بين حقِّ الله تعالى وما للرسول مِنْ حقٍّ؛ إذ قد يَقَعُ التداخلُ بين الحقَّيْن على وجهٍ لا يشعر العبدُ فيه بالفرق، وقد يتعمَّدُ الخلطَ بين المفهومين ظانًّا أنه بذلك يؤدِّي واجبًا تُجاهَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أو قد يكون مدفوعًا بفرطِ محبَّةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والمبالغةِ في تعظيمه؛ فيتجاوزُ بذلك حدودَ حقِّ الله تعالى الخالصِ فيجعلُه ـ ظلمًا ـ مِنْ حقِّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، فيصرف ـ بذلك ـ العبادةَ إليه، فيقع في الشرك المنهيِّ عنه بهذه الأسباب أو بغيرها، فلا يحقِّق ـ بالتالي ـ رُكْنَ الشهادة ولا شَرْطَها.
والمعلومُ أنَّ لله حقًّا خالصًا لا يُشْرَكُ فيه معه غيرُه، وهو ما يختصُّ به مِنَ الربوبية والألوهية، والأسماءِ والصفات؛ فإنَّ كُلَّ ما دَعَا إليه الشرعُ الحكيمُ مِنْ أنواع الطاعات وأعمالِ الخير والإحسان ممَّا أَمَر به وحثَّ على فعلِه ورغَّب فيه مِنَ الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرةِ داخلٌ في مفهوم العبادة وعمومِها، لا يجوز صرفُه ـ بحالٍ ـ لغير الله تعالى، بل حقُّ اللهِ المؤكَّدُ على العبيدِ وجوبُ صرفِ كُلِّ العبادات له دون غيرِه؛ لأنه هو المعبودُ المُطاع، ولا معبودَ بحقٍّ سواه، وهي الغايةُ التي خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ لأجلها، ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦[الذاريات]، والمعلومُ أَنْ لا نصيبَ لأحَدٍ في الجنَّة بدون القيام بحقِّ الله تعالى، كما جاء في حديثِ مُعاذ بنِ جبلٍ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «يَا مُعَاذُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟» قَالَ: «اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ»، قَالَ: «أَنْ يُعْبَدَ اللهُ وَلَا يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ»، قَالَ: «أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟» فَقَالَ: «اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ»، قَالَ: «أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ»(١) الحديث، قال السعديُّ ـ رحمه الله ـ: «وهذا النوعُ ـ يعني: توحيدَ الألوهية والعبادة ـ زبدةُ رسالةِ الله لرُسُله؛ فكُلُّ نبيٍّ يبعثه اللهُ يدعو قومَه يقول: ﴿ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ[الأعراف: ٥٩، ٦٥، ٧٣، ٨٥؛ هود: ٥٠، ٦١، ٨٤؛ المؤمنون: ٢٣، ٣٢]، ﴿وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّٰغُوتَ[النحل: ٣٦]، وهو الذي خَلَق اللهُ الخَلْقَ لأجله، وشَرَع الجهادَ لإقامته، وجَعَل الثوابَ الدنيويَّ والأخرويَّ لمَنْ قام به وحقَّقه، والعقابَ لمَنْ تَرَكه، وبه يحصل الفرقُ بين أهل السعادة القائمين به، وأهلِ الشقاوةِ التاركين له»(٢)، وقال ـ رحمه الله ـ في موضعٍ آخَرَ: «فجميعُ الكُتُبِ السماويةِ وجميعُ الرُّسُل دَعَوْا إلى هذا التوحيد، ونَهَوْا عن ضدِّه مِنَ الشرك والتنديد، وخصوصًا محمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم وهذا القرآنُ الكريم؛ فإنه أَمَر به وفَرَضه وقرَّره أعظمَ تقريرٍ، وبيَّنه أعظمَ بيانٍ، وأخبر أنه لا نجاةَ ولا فلاحَ ولا سعادةَ إلَّا بهذا التوحيد، وأنَّ جميعَ الأدلَّةِ العقلية والنقلية والأُفُقية والنفسيةِ أدلَّةٌ وبراهينُ على هذا الأمرِ بهذا التوحيد ووجوبِه؛ فالتوحيدُ هو حقُّ اللهِ الواجبُ على العبيد، وهو أعظمُ أوامرِ الدِّينِ وأصلُ الأصول كُلِّها وأساسُ الأعمال»(٣).
وأنَّ للرُّسُل والأنبياء صلواتُ الله وسلامُه عليهم ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ حقًّا خاصًّا: هو توقيرُهم وتبجيلهم وإعانتُهم ونُصرتُهم وتقديرهم بما يَستحِقُّون؛ لقوله تعالى: ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ[الفتح: ٩]، وهذا الحقُّ الخاصُّ للرُّسُل والأنبياء عليهم السلام يَندرِجُ في النصيحة لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث المشهور: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: «لِمَنْ؟» قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»(٤)، قال الخطَّابيُّ ـ رحمه الله ـ: «وأمَّا النصيحة لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم فإنما هي في تصديقه على الرسالة، وقَبولِ ما جاء به ودَعَا إليه، وطاعتِه فيما سنَّ وشَرَع وبيَّن مِنْ أمرِ الدِّين وشَرَح، والانقيادِ له فيما أَمَر ونَهَى وحَكَم وأَمْضى، وتركِ التقديم بين يدَيْه، وإعظامِ حقِّه وتعزيره وتوقيره ومؤازَرتِه ونصرتِه، وإحياءِ طريقته في بَثِّ الدعوة وإشاعةِ السنَّة، ونفيِ التهمة في جميعِ ما قالَهُ ونَطَق به؛ فإنه لَكَمَا وَصَفه ربُّه وباعِثُه فقال: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ ٤[النجم]، وقال: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا ٦٥[النساء]»(٥).
وأمَّا قولُه تعالى: ﴿وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗوَأَصِيلًا ٩[الفتح] فإنَّ التسبيح مِنْ حقوق الله الخاصَّةِ به؛ فلا يجوز تسبيحُ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم كما يُسبَّحُ اللهُ تعالى فإنَّ ذلك يُعَدُّ ـ بلا شكٍّ ـ شركًا بخلافِ الإيمان بالله ورسوله وطاعتِهما؛ فإنهما مِنَ الحقوق المشترَكةِ بين الله ورسوله؛ لقوله تعالى: ﴿لِّتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ[الفتح: ٩؛ المجادلة: ٤]، ولقوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ[المائدة: ٩٢؛ التغابن: ١٢]، والإيمانُ بالله والرسولِ وطاعتُه هو ـ في حقيقة الأمر ـ إيمانٌ بالله وطاعةٌ له؛ لقوله تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ[النساء: ٨٠]، «فذَكَر اللهُ ـ في هذه الآية ـ الحقَّ المشترَكَ بين الله وبين رسوله وهو: الإيمانُ بهما، والمختصَّ بالرسول وهو: التعزيرُ والتوقير، والمختصَّ بالله وهو: التسبيحُ له والتقديسُ بصلاةٍ أو غيرِها»(٦).
لذلك يَحْرُمُ مجاوَزةُ الحدِّ المشروع في الأنبياء والرُّسُلِ عليهم السلام والغُلُوُّ فيهم؛ خشيةَ رفعِهم مِنْ درجة النبوَّةِ إلى حيِّزِ صفات الربوبية والألوهية: كنسبةِ عِلْمِ اللوح والقلم للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، أو اعتقادِ القدرة فيه على كشفِ الضرِّ أو جلبِ النفع والخير، وما يَنجَرُّ عنه مِنْ دعائه والاستغاثةِ به فيما لا يقدر على تحصيله إلَّا اللهُ تعالى، والتوكُّلِ عليه، ونحوِ ذلك ممَّا يُنافي التوحيدَ؛ لكونها مِنَ الحقوق الخاصَّةِ بالله عزَّ وجلَّ، سواءٌ وَقَع التداخلُ والخلطُ بين هذه الحقوقِ مِنْ غير تميُّزٍ بينها ـ جهلًا ـ أو بدعوَى مَزيدِ محبَّة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم المُفْرِطة، علمًا أنَّ محبَّةَ الرسولِ الحقيقيةَ إنما هي متابَعتُه والمسارَعةُ في طاعته فيما يُحِبُّه اللهُ مِنَ الإيمان والعمل الصالح، ومِنْ دفعِ ما يبغضه مِنَ الكفر والفسوق والعصيان؛ فالمحبَّةُ لها علامتان: فهي لا تتمُّ إلَّا بتجريد المتابَعةِ لشرعِ الله الذي جاء به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن ربِّه أوَّلًا؛ لقوله تعالى: ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣١[آل عمران]، وممَّا جاء به صلَّى الله عليه وسلَّم عن ربِّه: إفرادُ الله بالعبادة بجميع أنواعها ومراتبها وصُوَرِها مِنْ غيرِ صرفِ أيِّ شيءٍ منها لأحَدٍ كائنًا مَنْ كان، وهذا معنَى كلمةِ التوحيد، ولا تتمُّ محبَّةُ الله ـ ثانيًا ـ إلَّا بموالاته تعالى وموافَقته فيما يُحِبُّ ويكره؛ فيُحِبُّ العبدُ ما يُحِبُّه ربُّه ويبغض ما يبغضه؛ عملًا بقوله تعالى: ﴿قُلۡ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَةٞ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَادٖ فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦ[التوبة: ٢٤]، وبقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «[فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ]، لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ [وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ]»(٧).
ولتثبيتِ هذه الحقائقِ والمعاني في نفوس المسلمين وترسيخِها أفصح القرآنُ الكريم أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بَشَرٌ يدعو إلى عبادة الله وَحْدَه لا شريكَ له وإلى إقامةِ دِينِه مقيَّدًا بما جاء به مِنْ سنَّتِه، قال تعالى: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا ١١٠[الكهف]، وقد بيَّن ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ هذا المعنى ـ بجلاءٍ ـ بقوله: «والأعمال أربعةٌ: واحدٌ مقبولٌ، وثلاثةٌ مردودةٌ؛ فالمقبولُ ما كان لله خالصًا وللسنَّة موافِقًا، والمردودُ ما فُقِدَ منه الوصفان أو أحَدُهما، وذلك أنَّ العمل المقبولَ هو ما أَحَبَّه اللهُ ورَضِيَه، وهو ـ سبحانه ـ إنما يُحِبُّ ما أَمَر به وما عُمِلَ لوجهِه، وما عَدَا ذلك مِنَ الأعمال فإنه لا يُحِبُّها، بل يمقتها ويمقت أهلَها»(٨)، وفصَّل ابنُ رجبٍ ـ رحمه الله ـ مسألةَ العمل ـ مِنْ حيث ظاهِرُه وباطِنُه ـ بما نصُّه: «.. وإنما يتمُّ ذلك بأمرين: أحَدُهما: أَنْ يكون العملُ ـ في ظاهِرِه ـ على موافَقةِ السنَّة، وهذا هو الذي تَضمَّنَه حديثُ عائشة: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»(٩)، والثاني: أَنْ يكون العملُ في باطِنِه يُقْصَدُ به وجهُ الله عزَّ وجلَّ، كما تَضمَّنَهُ حديثُ عمر: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»(١٠)، وقال الفُضَيْلُ في قوله تعالى: ﴿لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗا[الملك: ٢]، قال: «أَخْلصُه وأَصْوبُه»، وقال: «إنَّ العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقْبَلْ، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقْبَلْ، حتَّى يكون خالصًا وصوابًا»، قال: «والخالصُ إذا كان لله عزَّ وجلَّ، والصوابُ إذا كان على السنَّة»»(١١).
ولهذا كان الدعاءُ لجلبِ الخير والنفع أو لكشفِ الضرِّ أو دفعِ السوء والأذى إنما هو موجَّهٌ للمعبود الحقِّ دون غيره لقوله تعالى: ﴿قُلِ ٱدۡعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُم مِّن دُونِهِۦ فَلَا يَمۡلِكُونَ كَشۡفَ ٱلضُّرِّ عَنكُمۡ وَلَا تَحۡوِيلًا ٥٦[الإسراء]، وقد فسَّر ابنُ باديس ـ رحمه الله ـ هذه الآيةَ بقوله: «فمَنْ دَعَا غيرَ اللهِ فقَدْ عَبَده، ومَنْ دَعَا مخلوقًا مع الخالق فقَدْ أشرك، فإذا دَعَوْتَ فادْعُ ربَّك ولا تَدْعُ معه أحَدًا، وكيف تدعو مَنْ لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا؟! وإذا تَوسَّلْتَ فتَوَسَّلْ بأعمالك: بإيمانك وتوحيدك، وباتِّباعك لمحمَّدٍ صلَّى الله عليه وآلِه وسلَّم، ومحبَّتِك فيه، واعتقادِك ما له عند الله مِنْ عظيمِ المنزلة وسُمُوِّ المقام عليه وعلى آله الصلاةُ والسلامُ»(١٢)، ولقوله تعالى: ﴿قُل لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي ضَرّٗا وَلَا نَفۡعًا إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُ[يونس: ٤٩]، قال محمَّد صدِّيق حسن خان ـ رحمه الله ـ في حكم التوجُّه إلى الرسول بالدعاء والاستغاثة به ما نصُّه: «وفي هذا أعظمُ واعظٍ وأبلغُ زاجرٍ لمَنْ صار ديدنُه وهِجِّيراهُ المناداةَ لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والاستغاثةَ به عند نزول النوازل التي لا يقدر على دفعِها إلَّا اللهُ سبحانه، وذلك مَنْ صار يطلب مِنَ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم ما لا يقدر على تحصيله إلَّا اللهُ سبحانه؛ فإنَّ هذا مَقامُ ربِّ العالمين الذي خَلَق الأنبياءَ والصالحين وجميعَ المخلوقين: رَزَقهم وأحياهم ويُميتُهم؛ فكيف يطلب مِنْ نبيٍّ مِنَ الأنبياء أو مَلَكٍ مِنَ الملائكة أو صالحٍ مِنَ الصالحين ما هو عاجزٌ عنه غيرُ قادرٍ عليه، ويترك الطلبَ لربِّ الأرباب، القادرِ على كُلِّ شيءٍ، الخالقِ الرازق المعطي المانع؟ وحَسْبُك ـ في هذه الآيةِ ـ موعظةً؛ فإنَّ هذا سيِّدُ ولدِ آدَمَ وخاتمُ الرُّسُل يأمره اللهُ بأَنْ يقول لعباده: ﴿لَّآ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِي ضَرّٗا وَلَا نَفۡعًا﴾؛ فكيف يملكه لغيره؟ وكيف يملكه غيرُه ـ ممَّنْ رتبتُه دون رتبته، ومنزلتُه لا تبلغ إلى منزلته ـ لنفسه فضلًا عن أَنْ يملكه لغيره؟ فيا عجبًا لقومٍ يعكفون على قبور الأموات الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى، ويطلبون منهم مِنَ الحوائج ما لا يقدر عليه إلَّا اللهُ عزَّ وجلَّ، كيف لا يتيقَّظون لِمَا وقعوا به مِنَ الشرك، ولا ينتبهون لِمَا حلَّ بهم مِنَ المخالفة لمعنى: «لا إلهَ إلا اللهُ»، ومدلولِ: ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١[الإخلاص]؟! وأعجبُ مِنْ هذا اطِّلاعُ أهلِ العلم على ما يقع مِنْ هؤلاء ولا يُنْكِرون عليهم ولا يحولون بينهم وبين الرجوع إلى الجاهلية الأولى، بل إلى ما هو أشدُّ منها؛ فإنَّ أولئك يعترفون بأنَّ الله ـ سبحانه ـ هو الخالقُ الرازق المحيي المميتُ الضارُّ النافع، وإنما يجعلون أصنامَهم شُفَعاءَ لهم عند الله ومقرِّبين إليه، وهؤلاء يجعلون لهم قدرةً على الضرِّ والنفع، ويُنادونهم ـ تارةً ـ على الاستقلال وتارةً مع ذي الجلال، وكفاك مِنْ شرٍّ سماعُه، واللهُ ناصِرُ دِينِه ومُظهِرُ شريعته مِنْ أوضار الشرك وأدناسِ الكفر، ولقد تَوسَّلَ الشيطانُ ـ أخزاه اللهُ ـ بهذه الذريعةِ إلى ما تَقَرُّ به عينُه ويَنثلِجُ به صدرُه مِنْ كفرِ كثيرٍ مِنْ هذه الأمَّةِ المبارَكة وهُمْ يحسبون أنهم يُحْسِنون صنعًا، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون»(١٣).
هذا، والقرآنُ الكريم تَضمَّنَ العديدَ مِنَ الآيات الناهية عن الدعاء بجلب الخير، والسؤالِ لكشفِ الضرِّ أو تحويلِه، إلَّا مِنَ الله تعالى الذي دَعَانا إلى طلبِه منه والتوجُّهِ إليه مباشَرةً دون واسطةٍ، قال تعالى: ﴿ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡ[غافر: ٦٠]، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ[البقرة: ١٨٦].
وعليه، فلا وساطةَ للرُّسُل والأنبياء عليهم السلام في شيءٍ بين الله تعالى وعبادِه مِنْ طلبِ الحوائج مِنَ الله تعالى، وإنما وساطتُهم تتجلَّى في تبليغِ شرعِ الله ودِينِه لعباده. وفي بيانِ هذه الوساطةِ وإثباتِها قال عبد العزيز المحمَّد السلمان ـ رحمه الله ـ ما يلي: «إنها على قسمين:
ـ واسطةٌ مِنْ تمام الدِّينِ والإيمانِ إثباتُها: وهي أنَّ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وغيرَه مِنَ الرسل وسائطُ بين الله وبين عباده في تبليغِ دِينِه وشرعِه.
ـ وواسطةٌ شركيةٌ: وهي التقرُّبُ إلى أحَدٍ مِنَ الخَلْق ليُقرِّبَه إلى الله، وليَجلِبَ له المنافعَ التي لا يقدر عليها إلَّا اللهُ، أو يدفع عنه المَضارَّ؛ فهذا النوعُ مِنَ الشرك الأكبر الذي لا يغفره اللهُ.
فالخَلْق مضطرُّون إلى وساطة الرُّسُل في تبليغِ الدِّين، وليس بهم حاجةٌ إلى وساطةِ أحَدٍ في طلبِ الحوائج مِنَ الله؛ فليس بين العبد وبين الله حجابٌ ولا واسطةٌ»(١٤).
ومنه يُعْلَمُ أنَّ الله تعالى لم يجعل وساطةَ الرُّسُل والأنبياء عليهم السلام ولا مكانتَهم وجاهَهم ـ فضلًا عن الصالحين ـ طريقًا للتقرُّب منه أو وسيلةً مُوصِلةً إليه ولا سببًا للزُّلفى لدَيْهِ، وإنما جَعَل القُرْبَ منه والوسيلةَ إليه في تصديقهم فيما أخبروا به، واتِّباعِ النور الذي جاءوا به مِنْ عبادته وطاعتِه وامتثالِ أوامره ونواهيه، والْتزامِ مَحَابِّه واجتنابِ مَكارهِه، والعملِ على تقريرِ شرعِه ونَشْرِه وتثبيتِه وإقامتِه بين الخَلْق.
ولا يخفى أنَّ الأنبياء والرُّسُلَ عليهم السلامُ لم يَدَّعوا أنَّ بأيديهم مَفاتيحَ رِزْقِ اللهِ ورحمتِه، ولا أنهم يملكون التصرُّفَ في خزائن الله، ولا أنهم يعلمون الغيبَ، ولا أنهم ملائكةٌ، وإنما هُمْ بشرٌ ممَّنْ خَلَقَ، يُوحَى إليهم مِنَ الله تعالى، شرَّفَهم اللهُ بالوحي الذي يتَّبِعونه ولا يخرجون عنه، وأَنْعَمَ عليهم بالمَكارم والفضائل والكمالات، وعَصَمَهم مِنَ الرذائل والنقائص والمَعايب، وأَكْرَمهم بالرسالة أو النبوَّة لهداية الخَلْق إلى الحقِّ وإقامةِ الحجَّة عليهم، وأيَّدهم بالآيات البيِّنات والمعجزات الباهرات وخوارق العادات الدالَّةِ على صِدْقِهم؛ حتَّى لا يبقى عذرٌ لأحَدٍ في تكذيبهم والخروجِ عن طاعتِهم؛ وليس للرُّسُل والأنبياء عليهم السلام أيُّ تصرُّفٍ مع الله في الكون؛ لذلك «كانوا إذا سُئِلوا الآياتِ المعجزاتِ الخارقةَ للعادة؛ رَدُّوا الأمرَ إلى الله، ونَفَوْا أَنْ تكون لهم قدرةٌ على الإتيان بها إلَّا بإذن الله، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأۡتِيَكُم بِسُلۡطَٰنٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِ[إبراهيم: ١١]؛ فيُظْهِرُ اللهُ ـ على أيديهم ـ الآياتِ تأييدًا لهم وتخويفًا لأقوامهم وقطعًا لمُشاغَبتهم؛ فيخضع لها بعضُهم ويَستمِرُّ الأكثرون على العناد؛ فما مِنْ نبيٍّ مِنَ الأنيياء إلَّا وقد أعطاهُ اللهُ مِنَ الآيات والمعجزاتِ ما مِثْلُه ـ في وضوحه وظهوره والعجزِ عن معارَضته ـ ما يُؤْمِنُ عليه العبادُ ويتَّفِقون عليه لولا ما يَصُدُّهم عنه مِنَ العناد، وهو معنَى قولِه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ البَشَرُ»(١٥)»(١٦)؛ ولهذا أَمَرَ اللهُ تعالى نبيَّه أَنْ يَبْرَأَ مِنْ دعوَى هذه المَحاوِرِ الثلاثة مِنَ العلم والقدرة والغنى، التي ترجع إليها المعجزاتُ بقوله تعالى: ﴿قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ ٱلۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ إِنِّي مَلَكٌۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ[الأنعام: ٥٠]، قال ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ ما نصُّه: «فأَمَرَهُ أَنْ يخبر أنه لا يعلم الغيبَ، ولا يملك خزائنَ الله، ولا هو مَلَكٌ غنيٌّ عن الأكل والمال، إِنْ هو إلَّا مُتَّبِعٌ لِمَا أُوحِيَ إليه، واتِّباعُ ما أُوحِيَ إليه هو الدِّينُ، وهو طاعةُ اللهِ وعبادتُه علمًا وعملًا بالباطن والظاهر، وإنما يَنالُ مِنْ تلك الثلاثةِ بقَدْرِ ما يعطيه اللهُ تعالى: فيعلم منه ما علَّمَه إيَّاهُ، ويقدر منه على ما أَقْدَرهُ اللهُ عليه، ويستغني عمَّا أغناهُ اللهُ عنه مِنَ الأمور المُخالِفةِ للعادة المطَّرِدةِ أو لعادةِ غالبِ الناس»(١٧).
ومِنْ هنا يظهر ـ جليًّا ـ أنَّ حياةَ أنبياءِ اللهِ ورُسُله ـ صلواتُ الله وسلامُه عليهم ـ لم تكن مبنيَّةً على تغييب حقيقتهم البشرية، أو رفعِ أنفسهم إلى مَقامِ الربوبية، أو ادِّعاءِ خصائص الألوهية، أو إرادةِ تلبيسٍ بين حقِّ الله الخالص وحقِّ أنبيائه الكرام عليهم السلام، كلَّا، إنما كانَتْ حياتُهم مليئةً بالصِّلَة بالله، وعامرةً بالعلم النافع، والعملِ الصالح، والقوَّةِ في العبادة، والمسارَعةِ في الخيرات، والبصيرةِ النافذة في الدِّين؛ حتَّى بلغوا الغايةَ في العبودية والسُّمُوِّ الروحيِّ، يَهْدُون الناسَ إلى الله، ويبلِّغون دِينَه وشَرْعَه، ويَدْعُون إلى الهدى ودِينِ الحقِّ، ويتنافسون في القُرْبِ مِنْ ربِّهم، ويبذلون ما في وُسْعِهم مِنَ الأعمال الصالحة المقرِّبةِ إلى الله بجدٍّ واجتهادٍ، يَرْجُون ـ بأعمالهم الصالحة ومحبَّتِهم الصادقة ـ رحمتَه، ويخافون ـ بمُخالَفتهم لأمرِه ـ عذابَه، ويخشَوْن ـ بقصورهم عن أداءِ حقِّه ـ عقوبتَه وانتقامه؛ لعلمِهم بقوَّة الله وعظيمِ سلطانه، وأنَّ عذابه أليمٌ شديدٌ، شأنُه أَنْ يُتَّقَى ويُحْذَرَ، قال الله تعالى عن أهل اصطفائه واجتبائه: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ يَبۡتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلۡوَسِيلَةَ أَيُّهُمۡ أَقۡرَبُ وَيَرۡجُونَ رَحۡمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحۡذُورٗا ٥٧[الإسراء]، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ ٧٣[الأنبياء]، وقال تعالى: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ ٩٠[الأنبياء].
فتلك هي العبوديةُ الحقَّةُ التي كان الرسلُ والأنبياء عليهم السلام عليها، والمعلومُ أنَّ العبد كلَّما ازداد في تحقيق العبودية الخالصةِ ازداد كمالُه وسَمَتْ روحُه وعَلَتْ درجتُه، وكلَّما نَقَصَتْ عبوديتُه ازداد بُعْدًا وهبوطًا وانحدارًا، والرسلُ والأنبياء عليهم السلام ـ وإِنْ تَفاوَتوا في الفضل والدرجة ـ إلَّا أنهم كانوا يَتنافَسون في القُرْب مِنْ ربِّهم، ويَتسابَقون في تحقيق العبودية، ويُسارِعون في الخيرات كما تَقدَّمَتْ به الآياتُ؛ ولهذا وَصَفهم اللهُ تعالى في كتابه بوصف العبودية التي أساسُها المحبَّةُ والخوفُ والرجاء فقال تعالى: ﴿وَٱذۡكُرۡ عِبَٰدَنَآ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَ أُوْلِي ٱلۡأَيۡدِي وَٱلۡأَبۡصَٰرِ ٤٥ إِنَّآ أَخۡلَصۡنَٰهُم بِخَالِصَةٖ ذِكۡرَى ٱلدَّارِ ٤٦ وَإِنَّهُمۡ عِندَنَا لَمِنَ ٱلۡمُصۡطَفَيۡنَ ٱلۡأَخۡيَارِ ٤٧ وَٱذۡكُرۡ إِسۡمَٰعِيلَ وَٱلۡيَسَعَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ وَكُلّٞ مِّنَ ٱلۡأَخۡيَارِ ٤٨[ص]، وقال: ﴿ وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ[ص: ٤١]، وذَكَر نبيَّنا محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم بوصف العبودية في أَسْمَى أحوالِه وأشرفِ مَقاماته: كالإسراء في قوله تعالى: ﴿سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا[الإسراء: ١]، وفي مَقامِ الإيحاء والتحدِّي بالذي أُنْزِلَ عليه، كما في قوله تعالى: ﴿فَأَوۡحَىٰٓ إِلَىٰ عَبۡدِهِۦ مَآ أَوۡحَىٰ ١٠[النجم]، وقولِه تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا[البقرة: ٢٣]، وفي مَقامِ القيام بالدعوة، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُۥ لَمَّا قَامَ عَبۡدُ ٱللَّهِ يَدۡعُوهُ[الجن: ١٩]، وغيرها مِنَ الآيات المخبرة عن فضائلِ عبادِه المُرْسَلين وأنبيائه العابدين، المجتهِدين في تحقيقِ العبودية الخالصةِ لله ربِّ العالمين.
وعلينا ـ أخيرًا ـ أَنْ نقتديَ بهم في تحقيقِ هذه العبودية الخالصةِ لله تعالى ونهتديَ بهَدْيِهم، مع احترام حقِّهم ومنزلتهم في التوقير والتبجيل والمحبَّة والنصرة، مِنْ غير غُلُوٍّ في تعظيمهم ولا إطراءٍ مُفْضٍ بمَحبَّتهم إلى امتزاجِ حقِّهم بما لله تعالى مِنْ حقٍّ خالصٍ في العبودية.
نسأل اللهَ أَنْ يبصِّرَنا بالحقِّ ويَهدِيَنا إليه، ويجعلنا مِنْ حزبه ويُميتَنا عليه، آمين، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٦ ربيع الثاني ١٤٣٧
المـوافق ﻟ: ٢٦ ينـــــاير ٢٠١٦م


(١) أخرجه البخاريُّ في «التوحيد» بابُ ما جاء في دعاء النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَّتَه إلى توحيد الله تَبارَك وتعالى (٧٣٧٣)، ومسلمٌ في «الإيمان» (٣٠)، مِنْ حديثِ معاذ بنِ جبلٍ رضي الله عنه.
(٢) «الحقُّ الواضح المبين» للسعدي (١١١).
(٣) «القول السديد» للسعدي (١٣).
(٤) أخرجه مسلمٌ في «الإيمان» (٥٥) مِنْ حديثِ تميم بنِ أوسٍ الداريِّ رضي الله عنه.
(٥) «أعلام الحديث» للخطَّابي (١/ ١٩٢).
(٦) «تفسير السعدي» (٩٣٤).
(٧) أخرجه البخاريُّ في «الإيمان» باب: حبُّ الرسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنَ الإيمان (١٤) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه البخاريُّ (١٥)، ومسلمٌ في «الإيمان» (٤٤)، مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
(٨) «إعلام الموقِّعين» لابن القيِّم (٢/ ١٨١).
(٩) أخرجه البخاري في «الصلح» باب: إذا اصطلحوا على صلحِ جَوْرٍ فالصلحُ مردودٌ (٢٦٩٧)، ومسلمٌ في «الأقضية» (١٧١٨)، مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها.
(١٠) أخرجه البخاري في «بدء الوحي» باب: كيف كان بدءُ الوحي إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ (١)، ومسلم في «الإمارة» (١٩٠٧)، مِنْ حديثِ عمر بنِ الخطَّاب رضي الله عنه.
(١١) «جامع العلوم والحِكَم» لابن رجب (١٠).
(١٢) «مجالس التذكير مِنْ كلام الحكيم الخبير» لابن باديس (٤٦٨).
(١٣) «فتح البيان» للقنوجي (٤/ ٢٢٥).
(١٤) «الكواشف الجليَّة» للسلمان (٧٣).
(١٥) أخرجه البخاريُّ في «فضائل القرآن» (٩/ ٣) باب: كيف نَزَلَ الوحيُ، وأوَّلِ ما نَزَلَ (٤٩٨١)، ومسلمٌ في «الإيمان» (٢/ ١٨٦) بابُ وجوبِ الإيمان برسالة نبيِّنا محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى جميع الناس، ونسخِ المِلَلِ بمِلَّتِه (١٥٢)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(١٦) «مجالس التذكير مِنْ حديثِ البشير النذير» لابن باديس (٣٣ ـ ٣٤).
(١٧) «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (١١/ ٣١٣وانظر: «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العزِّ (٥٥٨).


عن موقع الشيخ محمد علي فركوس 

موقع الشيخ محمد بن صالح العثيمين

الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين واهو موقع ثري بمحتواه الاسلامي من دروس و خطب و افتاء :



الأقسام الرئيسية للموقع :

كيف تصلي من الوضوء حتى التسليم - طريقة الصلاة الصحيحة -

سنشرح طريقة الصلاة الصحيحة من سؤال موجه الى الشيخ بن باز .

سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز سلمه الله سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد : لدي سؤال حيرني كثيرا وأرغب من سماحتكم التكرم بالإجابة عليه بالتفصيل وجزاكم الله خيرا .
السؤال : أنا فتاة مسلمة ملتزمة أعمل الخير وأتجنب الشر إلا أنني لم أقم الصلاة وذلك بسبب الحيرة حيث إن الناس في العراق منقسمون إلى قسمين قسم يدعى شيعة والقسم الآخر يدعى سنة ، وصلاة كل منهما تختلف عن الآخر وكل منهما يدعي إن صلاته هي الأصح ، وأنا إن صليت مع القسم الشيعي أو السني فإن الوسوسة لا تفارقني . لهذا أرجو أن تفيدوني عن الصلاة من الوضوء وحتى التسليم؟
الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد :
فأسأل الله لك ولجميع أخواتك في الله التوفيق والهداية وأوصيك أولا بلزوم ما عليه أهل السنة والجماعة وأن يكون الميزان ما قاله الله ورسوله ، الميزان هو كتاب الله العظيم القرآن ، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه وسيرته عليه الصلاة والسلام وأهل السنة هم أولى بهذا وهم الموفقون لهذا الأمر وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان ، وعند الشيعة أغلاط كثيرة وأخطاء كبيرة نسأل الله لنا ولهم الهداية حتى يرجعوا إلى الكتاب والسنة وحتى يدعوا ما عندهم من البدعة فنوصيك بأن تلزمي ما عليه أهل السنة والجماعة وأن تستقيمي على ذلك حتى تلقي ربك على طريق السنة والجماعة .
أما ما يتعلق بالصلاة فالواجب عليك أن تصلي وليس لك أن تدعيها لأنها عمود الإسلام والركن الثاني من أركانه العظيمة والصواب ما عليه أهل السنة في الصلاة وغيرها ، فعليك أن تصلي كما يصلي أهل السنة وعليك أن تحذري التساهل في ذلك فالصلاة عمود الإسلام وتركها كفر وضلال ، فالواجب عليك الحذر من تركها والواجب عليك وعلى كل مسلم ومسلمة البدار إليها والمحافظة عليها في أوقاتها كما قال الله عز وجل : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ[1] وقال سبحانه : وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ[2] قال سبحانه وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[3] فعليك أن تعتني بالصلاة وأن تجتهدي في المحافظة عليها وأن تنصحي من لديك في ذلك والله وعد المحافظين بالجنة والكرامة قال سبحانه : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ[4] ثم عدد صفات عظيمة لأهل الإيمان ثم ختمها بقوله سبحانه : وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[5] وهذا وعد عظيم من الله عز وجل لأهل الصلاة وأهل الإيمان ، وقال سبحانه في سورة المعارج : إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ[6] ثم عدد صفات عظيمة بعد ذلك ثم قال سبحانه : وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ[7] فنوصيك بالعناية بالصلاة والمحافظة عليها .
كيفية الوضوء :
وأما ما سألت عنه من الوضوء وكيفية الصلاة فهذا جوابه : أولا : الوضوء شرط لصحة الصلاة لا بد منه قال الله عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ[8] هكذا أمر الله سبحانه المؤمنين في سورة المائدة ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ((لا تقبل صلاة بغير طهور))[9] وقال عليه الصلاة والسلام : ((لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ))[10] فلا بد من الوضوء ، والوضوء أولا بالاستنجاء إذا كان الإنسان قد أتى الغائط أو البول يستنجي بالماء من بوله وغائطه أو يستجمر باللبن أو بالحجارة أو بالمناديل الخشنة الطاهرة عما خرج منه ثلاث مرات أو أكثر حتى ينقي المحل ، الدبر والقبل من الرجل والمرأة حتى ينقي الفرجين من آثار الغائط والبول ، والماء أفضل وإذا جمع بينهما استجمر واستنجى بالماء كان أكمل وأكمل . ثم يتوضأ الوضوء الشرعي ويبدأ الوضوء بالتسمية يقول بسم الله عند بدء الوضوء هذا هو المشروع ، وأوجبه جمع من أهل العلم أن يقول بسم الله عند بدء الوضوء ، ثم يغسل كفيه ثلاث مرات هذا هو الأفضل ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات بثلاث غرفات ثم يغسل وجهه ثلاثا من منابت الشعر من فوق إلى الذقن أسفل وعرضا إلى فروع الأذنين هكذا غسل الوجه ثم يغسل يديه من أطراف الأصابع إلى المرافق مفصل الذراع من العضد ، والمرفق يكون مغسولا يغسل اليمنى ثم اليسرى الرجل والمرأة ثم بعد ذلك يمسح الرأس والأذنين الرجل والمرأة ثم بعد ذلك يغسل رجله اليمنى ثلاثا مع الكعبين ثم اليسرى ثلاثا مع الكعبين حتى يشرع في الساق فالكعبان مغسولان . والسنة ثلاثا ثلاثا في المضمضة والاستنشاق والوجه واليدين والرجلين أما الرأس مسحة واحدة مع أذنيه هذه هي السنة وإن لم يغسل وجهه إلا مرة عمه بالماء ثم عم يديه بالماء مرة مرة وهكذا الرجلان عمهما بالماء مرة مرة أو مرتين مرتين أجزأ ذلك ولكن الأفضل ثلاثا ثلاثا . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ في بعضها ثلاثا وفي بعضها مرتين فالأمر واسع بحمد الله ، والواجب أن يغسل كل عضو مرة يعمه بالماء يعم وجهه بالماء مع المضمضة والاستنشاق ويعم يده اليمنى بالماء حتى يغسل المرفق وهكذا اليسرى يعمها بالماء وهكذا يمسح رأسه وأذنيه يعم رأسه بالمسح ، ثم الرجلان يغسل اليمنى مرة يعمها بالماء واليسرى كذلك يعمها بالماء مع الكعبين ، هذا هو الواجب وإن كرر ثنتين كان أفضل وإن كرر ثلاثا كان أفضل ، وبهذا ينتهي الوضوء . ثم يقول أشهد أن لا الله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، هكذا علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم وصح عنه أنه قال : ((ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا الله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء))[11] رواه مسلم في صحيحه وزاد الترمذي بإسناد حسن بعد ذلك : ((اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين))[12] فهذا يقال بعد الوضوء يقوله الرجل وتقوله المرأة خارج الحمام . وبهذا عرفتِ الوضوء الشرعي وهو مفتاح الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم))[13]
كيفية الصلاة
ثانيا : الصلاة وكيفيتها يبدأها بالتكبير في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر يقول : الله أكبر - الرجل والمرأة - ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا الله غيرك ، هذا هو أخصر ما ورد في الاستفتاحات ، أو يقول : (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد) وهذا أصح شيء ورد في الاستفتاح ، فإن فعل هذا أو هذا فكله صحيح ، وهناك استفتاحات أخرى ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بشيء منها صح ولكن هذان الاستفتاحان من أخصرها ، فإذا أتى الرجل أو المرأة بواحد منهما كفى ، وهذا الاستفتاح مستحب وليس بواجب ، فلو شرع في القراءة حالا بعد التكبير أجزأ ولكن كونه يأتي بالاستفتاح أفضل تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك .
صفة القراءة في الصلاة
ثم يقول الرجل أو المرأة بعد دعاء الاستفتاح أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقرأ الفاتحة وهي : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ[14] ثم يقول آمين ، وآمين ليست من الفاتحة وهي مستحبة ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولها بعد الفاتحة في الجهرية والسرية يقول آمين ومعناها اللهم استجب . ثم يقرأ ما تيسر من القرآن الكريم بعد الفاتحة في الأولى والثانية من الظهر ، والأولى والثانية من العصر ، والأولى والثانية من المغرب ، والأولى والثانية من العشاء ، وفي الثنتين كلتيهما من الفجر ، يقرأ الفاتحة وبعدها سورة أو آيات ، والأفضل في الظهر أن يكون من أوساط المفصل مثل : هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ ومثل وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ومثل عَبَسَ وَتَوَلَّى ومثل إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ومثل إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وما أشبه ذلك . وفي العصر مثل ذلك لكن تكون أخف من الظهر قليلا ، وفي المغرب كذلك يقرأ بعد الفاتحة ما تيسر من هذه السور أو أقصر منها ، وإن قرأ في بعض الأحيان بأطول في المغرب فهو أفضل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب في بعض الأحيان بالطور وقرأ فيها بالمرسلات وقرأ فيها في بعض الأحيان بسورة الأعراف قسمها في الركعتين ولكنه في الأغلب يقرأ فيها من قصار المفصل مثل : هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ أو لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ أو إِذَا زُلْزِلَتِ أو القارعة أو العاديات ولا بأس في ذلك ولكن في بعض الأحيان يقرا أطول كما تقدم . وفي العشاء يقرأ مثلما قرأ في الظهر والعصر يقرأ الفاتحة وزيادة معها في الأولى والثانية مثل : وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ و وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ و هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ و عَبَسَ وَتَوَلَّى و إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وما أشبه ذلك أو آيات بمقدار ذلك في الأولى والثانية ، وهكذا في الفجر يقرأ بعد الفاتحة زيادة ولكنها أطول من الماضيات ففي الفجر تكون القراءة أطول من الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ويقرأ في الفجر مثل : ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ و اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ أو أقل من ذلك مثل التغابن والصف و تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ و يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ وما أشبه ذلك ، ففي الفجر تكون القراءة أطول من الظهر والعصر والمغرب والعشاء اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولو قرأ في بعض الأحيان أقل أو أطول من ذلك فلا حرج عليه ، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في بعض الأحيان بأقل من ذلك ولكن كونه يقرأ في الفجر في الغالب بالطوال فهذا أفضل تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم . أما في الثالثة والرابعة من الظهر والعصر والثالثة من المغرب والثالثة والرابعة من العشاء فيقرأ فيها بالفاتحة ثم يكبر للركوع ، لكن ورد في الظهر ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان قد يقرأ زيادة على الفاتحة في الثالثة والرابعة فإذا قرأ في بعض الأحيان في الظهر في الثالثة والرابعة زيادة على الفاتحة مما تيسر من القرآن الكريم فهو حسن تأسيا به صلى الله عليه وسلم . فهذه صفة القراءة في الصلاة .
الركوع :
ثم يركع قائلا الله أكبر ويعتدل في الركوع ويطمئن ولا يعجل ، ويجعل يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع ويسوي رأسه بظهره ويقول : سبحان ربي العظيم ، سبحان ربي العظيم ، سبحان ربي العظيم ، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((أما الركوع فعظموا فيه الرب))[15] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الركوع سبحان ربي العظيم ، قالت عائشة رضي الله عنها : ( كان يكثر أن يقول في الركوع والسجود : ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي))[16] وهذا كله مستحب والواجب سبحان ربي العظيم مرة واحدة وإن كررها ثلاثا أو خمسا أو أكثر كان أفضل ، وجاء أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الركوع : ((سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة))[17] ،((سبوح قدوس رب الملائكة والروح))[18] فإذا قال مثل هذا فحسن اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .
الرفع من الركوع
ثم يرفع من الركوع قائلا سمع الله لمن حمده إذا كان إماما أو منفردا ويرفع يديه مثلما فعل عند الركوع حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند قوله سمع الله لمن حمده ، ثم بعد انتصابه واعتداله يقول : ربنا ولك الحمد أو اللهم ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد ، فهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وقوله ، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم شخصا سمعه يقول حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه فأقره على ذلك صلى الله عليه وسلم وقال إنه رأى كذا وكذا من الملائكة كلهم يبادر ليكتبها ويرفعها أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، ولا فرق في هذا بين الرجل والمرأة ، وإن زاد على هذا فقال : أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، فذلك حسن ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقوله في بعض الأحيان ، ومعنى لا ينفع ذا الجد يعني : ولا ينفع ذا الغنى منك غناه فالجميع فقراء إلى الله سبحانه وتعالى والجد هو الحظ والغنى ، وأما إذا كان مأموما فإنه يقول ربنا ولك الحمد عند الرفع من الركوع ويرفع يديه أيضا حيال منكبيه أو حيال أذنيه عند الرفع قائلا : ربنا ولك الحمد أو ربنا لك الحمد أو اللهم ربنا لك الحمد أو اللهم ربنا ولك الحمد ، كل هذا مشروع للإمام والمأموم والمنفرد جميعا ، لكن الإمام يقول سمع الله لمن حمده أولا وهكذا المنفرد ، ثم يأتي بالحمد بعد ذلك أما المأموم فإنه يقولها بعد انتهائه من الركوع يقول عند رفعه ربنا ولك الحمد ولا يأتي بالتسميع أي لا يقول سمع الله لمن حمده على الصحيح المختار الذي دلت عليه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والواجب الاعتدال في هذا الركن ولا يعجل ، فإذا رفع واعتدل واطمأن قائما وضع يديه على صدره هذا هو الأفضل ، وقال بعض أهل العلم يرسلهما ولكن الصواب أن يضعهما على صدره فيضع كف اليمنى على كف اليسرى على صدره كما فعل قبل الركوع وهو قائم هذه هي السنة لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان قائما في الصلاة وضع كفه اليمنى على كفه اليسرى في الصلاة على صدره ثبت هذا من حديث وائل بن حجر وثبت هذا أيضا من حديث قبيصة الطائي عن أبيه وثبت مرسلا من حديث طاووس عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو الأفضل وهذه هي السنة ، فإن أرسل يديه في صلاته فلا حرج وصلاته صحيحة لكنه ترك السنة ولا ينبغي لمؤمن أو مؤمنة المشاقة في هذا أو المنازعة ، بل ينبغي لطالب العلم أن يعلم السنة لإخوانه من دون أن يشنع على من أرسل ولا يكون بينه وبين غيره ممن أرسل العداوة والشحناء لأنها سنة نافلة فلا ينبغي من الإخوان لا في أفريقيا ولا في غيرها النزاع في هذا والشحناء بل يكون التعليم بالرفق والحكمة والمحبة لأخيه كما يحب لنفسه فهذا هو الذي ينبغي في هذه الأمور ، وجاء في صحيح البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : كان الرجل يؤمر أن يجعل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة . قال أبو حازم الراوي عن سهل : لا أعلمه إلا يروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فدل ذلك على أن المصلي إذا كان قائما يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى ، والمعنى على كفه والرسغ والساعد لأن هذا هو الجمع بينه وبين رواية وائل بن حجر فإذا وضع كفه على الرسغ والساعد فقد وضعت على الذراع لأن الساعد من الذراع ، فيضع كفه اليمنى على كفه اليسرى وعلى الرسغ والساعد كما جاء مصرحا في حديث وائل المذكور وهذا يشمل القيام قبل الركوع والقيام بعد الركوع وهذا الاعتدال بعد الركوع من أركان الصلاة فلا بد منه ، وبعض الناس قد يعجل من حين أن يرفع ينزل ساجدا وهذا لا يجوز ، فالواجب على المصلي أن يعتدل بعد الركوع ويطمئن ولا يعجل قال أنس رضي الله عنه : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقف بعد الركوع يعتدل ويقف طويلا حتى يقول القائل قد نسي وهكذا بين السجدتين ، فالواجب على المصلي في الفريضة والنافلة ألا يعجل بل يطمئن بعد الركوع ويأتي بالذكر المشروع وهكذا بين السجدتين لا يعجل بل يطمئن ويعتدل كما يأتي ويقول بينهما رب اغفر لي رب اغفر لي كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم .
السجود الأول
ثم بعد هذا الحمد والثناء والاعتدال والطمأنينة بعد الركوع ينحط ساجدا قائلا : الله أكبر من دون رفع اليدين لأن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عدم الرفع في هذا المقام فيسجد على أعضائه السبعة جبهته وأنفه هذا عضو وكفيه وعلى ركبتيه وعلى أصابع رجليه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين))[19] هذا هو المشروع وهو الواجب على الرجال والنساء جميعا أن يسجدوا على هذه الأعضاء السبعة الجبهة والأنف هذا عضو واليدين ويمد أطراف أصابعه إلى القبلة ضاما بعضهما إلى بعض والركبتين وأطراف القدمين يعني على أصابع القدمين باسطا الأصابع على الأرض معتمدا عليها وأطرافها إلى القبلة هكذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم . والأفضل أن يقدم ركبتيه قبل يديه عند انحطاطه للسجود هذا هو الأفضل ، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقدم يديه ولكن الأرجح أن يقدم ركبتيه ثم يديه لأن هذا ثبت من حديث وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه))[20] فأشكل هذا على كثير من أهل العلم فقال بعضهم يضع يديه قبل ركبتيه وقال آخرون بل يضع ركبتيه قبل يديه ، وهذا هو الذي يخالف بروك البعير لأن بروك البعير يبدأ بيديه فإذا برك المؤمن على ركبتيه فقد خالف البعير وهذا هو الموافق لحديث وائل بن حجر وهذا هو الصواب أن يسجد على ركبتيه أولا ثم يضع يديه على الأرض ثم يضع جبهته أيضا على الأرض هذا هو المشروع فإذا رفع رفع وجهه أولا ثم يديه ثم ينهض هذا هو المشروع الذي جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الجمع بين الحديثين ، وأما قوله في حديث أبي هريرة : ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) فالظاهر والله أعلم أنه انقلاب كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله إنما الصواب أن يضع ركبتيه قبل يديه حتى يوافق آخر الحديث أوله وحتى يتفق مع حديث وائل بن حجر وما جاء في معناه ، وفي هذا السجود يقول سبحان ربي الأعلى ويكررها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك ، ولكن إذا كان إماما فإنه يراعي المأمومين حتى لا يشق عليهم أما المنفرد فلا يضره لو أطال بعض الشيء وكذلك المأموم تابع لإمامه يسبح ويدعو ربه في السجود حتى يرفع إمامه ، والسنة للإمام والمأموم والمنفرد الدعاء في السجود ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((أما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم))[21] أي حري أن يستجاب لكم ، وجاء في الحديث الآخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا أو ساجدا))[22] فالقرآن لا يقرأ لا في الركوع ولا في السجود ، إنما القراءة في حال القيام في حق من قدر ، وفي حال القعود في حق من عجز عن القيام يقرأ وهو قاعد أما الركوع والسجود فليس فيهما قراءة وإنما فيهما تسبيح للرب وتعظيمه وفي السجود زيادة على ذلك وهو الدعاء فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوده فيقول : ((اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره))[23] فيدعو بهذا الدعاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو به كما رواه مسلم في صحيحه ، وثبت في صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء))[24] وهذا يدلنا على شرعية كثرة الدعاء في السجود من الإمام والمأموم والمنفرد ويدعو كل منهم في سجوده مع التسبيح أي مع قوله : سبحان ربي الأعلى ومع قوله : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي؛ لما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها عند الشيخين البخاري ومسلم رحمة الله عليهما قالت : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)[25]، ويشرع في السجود مع العناية بالدعاء بالمهمات في أمر الدنيا والآخرة ولا حرج أن يدعو لدنياه كأن يقول : اللهم ارزقني زوجة صالحة أو تقول المرأة اللهم ارزقني زوجا صالحا أو ذرية طيبة أو مالا حلالا أو ما أشبه ذلك من حاجات الدنيا ويدعو بما يتعلق بالآخرة وهو الأكثر والأهم كأن يقول : اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره اللهم أصلح قلبي وعملي وارزقني الفقه في دينك اللهم إني أسألك الهدى والسداد ، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار ، وما أشبه هذا الدعاء ، ويكثر في سجوده من الدعاء ولكن بغير إطالة تشق على المأمومين فيراعيهم إذا كان إماما ويقول مع ذلك في سجوده : سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ، كما تقدم مرتين أو ثلاثا كما فعله المصطفى عليه الصلاة والسلام .
الجلوس بين السجدتين
ثم يرفع من السجدة قائلا الله أكبر ويجلس مفترشا يسراه ناصبا يمناه ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى أو على الركبة باسط الأصابع على ركبته ويضع يده اليسرى على فخذه اليسرى أو على ركبته اليسرى ويبسط أصابعه عليها هكذا السنة ويقول رب اغفر لي ، رب اغفر لي ، رب اغفر لي ، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوله ، ويستحب أن يقول مع هذا : اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني وعافني ، لثبوت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم ، وإذا قال زيادة فلا بأس كأن يقول اللهم اغفر لي ولوالدي اللهم أدخلني الجنة وأنجني من النار اللهم أصلح قلبي وعملي ونحو ذلك ، ولكن يكثر من الدعاء بالمغفرة فيما بين السجدتين كما ورد عن النبي .
السجود الثاني
ثم بعد ذلك يسجد السجدة الثانية قائلا الله أكبر ويسجد على جبهته وأنفه وعلى كفيه وعلى ركبتيه وعلى أطراف القدمين كما فعل في السجدة الأولى ، ويعتدل في سجوده فيرفع بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ويجافي عضديه عن جنبيه ، ويعتدل في السجود ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب))[26] وقال عليه الصلاة والسلام : ((إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك))[27] فالسنة أنه يعتدل واضعا كفيه على الأرض رافعا ذراعيه عنها ولا يبسطها كالكلب والذئب ونحو ذلك ، بل يرفعهما ويرفع بطنه عن فخذيه ويرفع فخذيه عن ساقيه حتى يعتدل في السجود وحتى يكون مرتفعا معتدلا واضعا كفيه على الأرض رافعا ذراعيه عن الأرض كما أمر بهذا النبي صلى الله عليه وسلم ، وكما فعل عليه الصلاة والسلام ثم يقول في سجوده سبحان ربي الأعلى ويكرر ذلك ثلاثا أو أكثر ويدعو كما تقدم في السجود الأول .
جلسة الاستراحة
ثم يكبر رافعا وناهضا إلى الركعة الثانية والأفضل للمصلي أن يجلس جلسة خفيفة بعد السجود الثاني ، يسميها بعض الفقهاء جلسة الاستراحة يجلس على رجله اليسرى مفروشة وينصب اليمنى مثل حاله بين السجدتين ولكنها خفيفة ليس فيها ذكر ولا دعاء ، هذا هو الأفضل ، وإن قام ولم يجلس فلا حرج ، لكن الأفضل أن يجلسها كما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعض أهل العلم إن هذا يفعل عند كبر السن وعند المرض ولكن الصحيح أنها سنة من سنن الصلاة مطلقة للإمام والمنفرد والمأموم ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ((صلوا كما رأيتموني أصلي))[28] ولو كان المصلي شابا أو صحيحا فهي مستحبة على الصحيح ولكنها غير واجبة لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تركها في بعض الأحيان ولأن بعض الصحابة لم يذكرها في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على عدم الوجوب . ثم ينهض إلى الركعة الثانية مكبرا قائلا الله أكبر من حين يرفع من سجوده جالسا جلسة الاستراحة أو حين يفرغ من جلسة الاستراحة ينهض ويقول الله أكبر ، فإن بدأ بالتكبير ثم جلس نبه الجماعة على أن لا يسبقوه حتى يجلسوها ويأتوا بهذه السنة وإن جلس قبل أن يكبر ثم رفع بالتكبير فلا بأس ، المهم أن هذه جلسة مستحبة وليست واجبة ، فإذا أتى بالتكبير قبلها وجه المأمومين حتى لا يسبقوه وإن جلس أولا ثم رفع بالتكبير فلا حاجة إلى التنبيه إلى ذلك إلا من باب تعليم السنة .
القيام والقراءة في الركعة الثانية
ثم بعد أن يقوم للثانية يفعل فيها كما فعل في الأولى ويقرأ الفاتحة ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسمي الله وإن ترك التعوذ واكتفى بالتعوذ الأول في الركعة الأولى فلا بأس وإن أعاده فهذا أفضل ، لأنه مع قراءة جديدة فيتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويسمي الله ويقرأ الفاتحة ثم يقرأ معها سورة أو آيات كما فعل في الركعة الأولى ، لكن تكون السورة في الركعة الثانية أقصر من الأولى كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنهالركوع الثاني
فإذا فرغ من القراءة كبر للركوع كما فعل في الركعة الأولى فيكبر رافعا يديه قائلا الله أكبر ثم يضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع كما فعل في الركعة الأولى ويكون مستويا ورأسه حيال ظهره ، هكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقول سبحان ربي العظيم ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك ولكن بشرط ألا يشق على المأمومين إذا كان إماما ، ويستحب أن يقول مع ذلك سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ، كما تقدم وإن قال سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة فحسن أيضا وهكذا سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، كل هذا حسن فعله النبي صلى الله عليه وسلم في الركوع والسجود .
القيام بعد الركوع الثاني
ثم بعد ما يأتي بالأذكار المشروعة في الركوع ينهض رافعا يديه قائلا سمع الله لمن حمده إذا كان إماما أو منفردا ثم يفعل كما تقدم في الركعة الأولى . ثم ينحط ساجدا كما تقدم من غير رفع اليدين ويكبر عند الانحطاط للسجود ويقول في سجوده سبحان ربي الأعلى ويدعو بما تيسر كما تقدم ثم يرفع من السجود قائلا الله أكبر ويجلس ويقول رب اغفر لي ويطمئن ، ويفعل كما تقدم في الركعة الأولى ثم يكبر ويسجد للثانية ويفعل كما تقدم .
التشهد الأول
ثم يرفع فيجلس للتشهد الأول مفترشا رجله اليسرى ناصبا اليمنى كجلسته بين السجدتين هذا هو الأفضل وكيفما جلس أجزأه إذا كانت الصلاة رباعية مثل الظهر والعصر والعشاء أو ثلاثية مثل المغرب ، فيأتي بالتشهد : ( التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) هذا هو الثابت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وإن أتى بغيره مما ثبت في الأحاديث الصحيحة كفى لكن هذا أفضل لأنه أثبتها وأصحها ثم بعد هذا يقول اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، ثم ينهض إلى الثالثة وإذا لم يأت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بل نهض بعد الشهادة حين قال : وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فلا بأس لأن بعض أهل العلم قالوا : إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لا تستحب هنا وإنما هي مشروعة في التشهد الأخير ، ولكن دلت الأحاديث الصحيحة على أنها تشرع هنا وهناك فيأتي بها هنا - أي في التشهد الأول - هذا هو الأصح لعموم الأحاديث لكنها ليست واجبة عليه وإنما تجب في التشهد الأخير عند جمع من أهل العلم .
القيام في الركعة الثالثة والرابعة
فإذا فرغ من التشهد الأول وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو الأفضل ينهض بعده مكبرا قائلا الله أكبر رافعا يديه كما ثبت هذا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري رحمه الله حتى يأتي بالثالثة من المغرب وحتى يأتي بالثالثة والرابعة من الظهر والعصر والعشاء ويقرأ الفاتحة ، وتكفيه الفاتحة بدون زيادة كما ثبت هذا في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب ، وإن قرأ زيادة في الظهر في بعض الأحيان فحسن لما ثبت في حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأوليين من العصر مقدار ما يقرأ في الأخيرتين من الظهر ، وهذا يدل على أنه كان يقرأ في الأخيرتين من الظهر زيادة على الفاتحة بعض الأحيان فإذا قرأ زيادة فلا بأس بل هو حسن في بعض الأحيان وفي غالب الأحيان يقتصر على الفاتحة في الظهر ، جمعا بين حديث أبي سعيد وحديث أبي قتادة فإذا قرأ في الثالثة والرابعة من الظهر زيادة على الفاتحة في بعض الأحيان فهو حسن عملا بحديث أبي سعيد وإذا ترك ذلك في غالب الأحيان فهو أفضل عملا بحديث أبي قتادة لأنه أصح وأصرح من حديث أبي سعيد فيفعل هذا تارة وهذا تارة وأما الثالثة والرابعة من العصر والعشاء والثالثة من المغرب فليس فيهما إلا قراءة الفاتحة فلا يستحب فيها الزيادة على الفاتحة لعدم الدليل على ذلك .
الركوع والرفع منه والسجود في الركعتين الأخيرتين
ثم إذا فرغ من الفاتحة في الثالثة والرابعة من العصر والعشاء والثالثة من المغرب كبر راكعا الركوع الشرعي ويفعل فيه كما تقدم ثم يرفع قائلا سمع الله لمن حمده إذا كان إماما أو منفردا أما إذا كان مأموما فيقول ربنا ولك الحمد ثم يكمل الإمام والمأموم والمنفرد الذكر الوارد في ذلك كما تقدم ثم ينحط ساجدا قائلا الله أكبر ويسجد كما تقدم ثم يجلس بين السجدتين ثم يسجد السجود الثاني كل ذلك كما تقدم ويفعل في الركعة الرابعة كما فعل في الركعة الثالثة سواء بسواء وهكذا الثالثة في المغرب سواء بسواء أما الفجر فليس فيها ثالثة أو رابعة فالفريضة ركعتان وهكذا الجمعة ركعتان وهكذا العيد ركعتان يقرأ فيهما بالفاتحة وما تيسر معها من القرآن الكريم كما هو معلوم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويتحرى في ذلك ما هو معلوم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
التشهد الأخير
وبهذا تنتهي الصلاة ولا يبقى إلا التشهد ، فإذا فرغ من الرابعة في الظهر والعصر والعشاء ومن الثالثة من المغرب والثانية من الفجر والجمعة والعيد ورفع من السجدة الثانية في الركعة الأخيرة فإنه يجلس لقراءة التحيات كما قرأها في التشهد الأول يقرأها هنا فيقول : التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، هذا هو أكمل ما ورد في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم . ومتى أتى بها المصلي على أي وجه من الوجوه الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه ذلك .
الدعاء بعد التشهد الأخير :
وقد شرع الله سبحانه لنا على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الصلاة وبعد قراءة التحيات والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال وهذا مشروع للرجال والنساء جميعا في الفرض والنفل ويستحب مع هذا أن يدعو المصلي بما تيسر من الدعاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم الصحابة التشهد قال : ((ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به))[29] وفي لفظ آخر قال : ((ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء))[30] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهذه الدعوات : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ، وقال لمعاذ : ((يا معاذ إني لأحبك فلا تدعن أن تقول دبر كل صلاة اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك))[31]، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث علي رضي الله عنه أنه كان يقول في آخر الصلاة قبل أن يسلم : ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت))[32] وثبت أيضا في صحيح البخاري عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر الصلاة : ((اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أردإلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا ومن عذاب القبر))[33]، فهذه دعوات طيبة يشرع أن تقال في آخر الصلاة بعدما يقرأ التحيات والشهادة والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهكذا يستحب الدعاء الوارد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في الصحيحين أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال قل : ((اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) وإن دعا بغير ذلك من الدعوات الطيبة فلا بأس .
المرأة كالرجل في الصلاة
وينبغي أن يعلم أن المرأة كالرجل في هذه الأشياء كلها لعموم الأحاديث .
التسليم :
فإذا فرغ المصلي من الدعاء يسلم ، الرجل والمرأة سواء فيقول السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه والسلام عليكم ورحمة الله عن يساره هكذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يستوي فيه الرجل والمرأة والفرض والنفل جميعا .
الأذكار التي تقال بعد الصلاة ثم بعدما يسلم يقول استغفر الله ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام . يقول ذلك الرجل والمرأة فيستغفر الله ثلاثا ويقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ثم ينصرف الإمام إلى الناس بعد هذا ويعطي الناس وجهه ويقول بعد هذا لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وهكذا المأمومون من الرجال والنساء يقولون كما يقول الإمام لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، فتارة يقول يحيي ويميت بيده الخير ، وتارة لا يقول ذلك ، والأمر واسع بحمد الله فيقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وتارة يزيد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد . كل هذا مستحب بعد كل صلاة من الصلوات الخمس للرجال والنساء ، ثم يشرع بعد ذلك أن يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثا وثلاثين مرة ، يعقد أصابعه ثلاثا وثلاثين مرة الرجل والمرأة فيكون الجميع تسعا وتسعين ، ثلاثا وثلاثين تسبيحة وثلاثا وثلاثين تحميدة وثلاثا وثلاثين تكبيرة ، ثم يقول تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، قال النبي صلى اللهعليه وسلم : ((إذا قالها غفرت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر))[34]، فهذا فضل عظيم وخير كثير ، والمعنى : إذا قال هذا مع التوبة والندم والإقلاع لا مجرد الكلام فقط بل يقول هذا مع الاستغفار والندم والتوبة وعدم الإصرار على المعاصي والذنوب عندها يرجى له هذا الخير العظيم حتى في الكبائر ، إذا قال هذا عن إيمان وعن صدق وعن توبة صادقة وعن ندم على الذنوب فإن الله يغفر له صغائرها وكبائرها بتوبته وصدقه وإخلاصه ، ويقرأ بعد ذلك آية الكرسي : اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ[35] فهذه الآية يقرأها الرجل والمرأة بعد الفريضة ، جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((من قالها بعد كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)) والحديث في ذلك له طرق كثيرة تدل على صحته وثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الآية عظيمة وهي أعظم وأفضل آية في كتاب الله سبحانه ، ويستحب أن تقال بعد السلام وبعد هذا الذكر ، ويستحب أن تقال أيضا عند النوم وهي من أسباب حفظ الله للعبد من الشيطان ومن كل سوء كما صح بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي من أسباب دخول الجنة إذا قالها بعد كل صلاة فريضة كما تقدم ، كذلك يستحب له بعد هذا أن يقرأ قل هو الله أحد ، والمعوذتين ، الإمام والمنفرد والمأموم بينه وبين نفسه ، قل هو الله أحد ، قل أعوذ برب الفلق ، قل أعوذ برب الناس ، مرة واحدة بعد الظهر والعصر والعشاء ، أما بعد المغرب والفجر فيقولها ثلاثا يقرأ هذه السور الثلاث ثلاثا ، قل هو الله أحد ثلاثا ، قل أعوذ برب الفلق ثلاثا ، قل أعوذ برب الناس ثلاثا بعد الفجر والمغرب ، ويستحب أيضا بعد الفجر والمغرب أن يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات زيادة على الذكر المشروع السابق بعد الفجر والمغرب ، جاء في ذلك عدة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله جل وعلا هو المسؤول أن يوفقنا جميعا - للتأسي به صلى الله عليه وسلم والمحافظة على سنته والاستقامة على دينه حتى نلقاه سبحانه . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .